Madinati

الورقة السياسية

1. هوية مدينتي
2. الواقع الجيو-سياسي للبلد
3. الثورة والتحديات المستجدة
4. رؤيتنا في التغيير والمجابهة وآليات ووسائل التطبيق
5. إلتزاماتنا

هوية مدينتي

مدينتي حركة سياسية محورها الناس ينطلق عملها من حاجاتهم، ضمن أولوية قيم الصالح العام بألية نهج تشاركي وشفاف، يعتمد الديمقراطية وسيلة لتحقيق برنامجها السياسي.
مدينتي تأسست عقب خوضها الانتخابات البلدية في عام 2016 تحت اسم “بيروت مدينتي“، وهي تسعى إلى بناء بديل سياسي خارج الأطر الطائفية أو التقسيمات العقائدية، يرمي إلى تحقيق حقوق الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية وعلى الحفاظ على الإرث الثقافي والطبيعي تكريسا لجعل المصلحة العامة مبدأً أساسيا لممارسة العمل السياسي في لبنان، من منطلق المساواة والعدالة والانصاف، منحازة للفئات الأكثر تهميشًا المعرضة والضعيفة.
مدينتي تنطلق في مشروعها السياسي من خطط إستراتيجية واضحة الأهداف، واقعية، قابلة للتحقق، متحركة من خلال ديناميكية منطلقة من مبادئها العامة ورؤيتها الى لبنان  الوطن والدولة المدنية الديمقراطية الدامجة وفق أسس تحترم مبادئ حقوق الانسان و التنمية المستدامة.

الواقع الجيو-سياسي للبلد

أ- في أسباب انهيار الدولة

تعاني الدولة من معضلات عديدة أساسية: المعضلة الأولى تكمن في سوء استثمار التنوع الغني للسكّان في لبنان بضمه ثماني عشرة طائفة معترف بها، و نحو ثلث المقيمين فيه تقريبًا من اللاجئين النازحين من دول الجوار، وبدلًا من جعل هذا التنوع ثروة تميّز لبنان وتزيد من قدراته اقتصاديًا وثقافيًا، لم تستثمر السلطات المتعاقبة هذا التنوع بل حولته إلى خلاف وتفرقة بالتواطؤ مع فرقاء إقليميين ودوليين، فأضعفت الاندماج الإيجابي. تجلى ذلك بالفرز الذي احدثته الحرب الأهلية من تجمعات سكانية طائفية لا اختلاط فيها واستمرت دون معالجة جدية بحيث لم يتم الحفاظ على حقوق الفرد كمواطن في وطن بل كتابع لطائفة. وبدلا من ضمان الحريات وحقوق الفرد، أتيح المجال واسعا لتكوين كانتونات بذريعة احترام التعدّدية الدينية، لتسود في كل منها سلطات أمر واقع، تقمع من يسكنها إن لم يخضع لإرادتها. إن هذه الكانتونات “المتعايشة” مع محيطها تجسّد فعليا تخلّي الدولة عن أولى واجباتها في حفظ حرية المواطن وبالتالي عن حفظ حقه بانتمائه للوطن، وتسليمه إلى سلطة المجموعات الطائفية السياسية والاثنية المفكِّكة للوطن.

المعضلة الثانية تكمن في انعكاس هذا الواقع على النهج الاقتصادي الذي أتى مماثلاً للتقسيمات البينية فخلق اقتصاديات صغيرة فعجز عن استيعاب الطاقة الشبابية. 

إن الفجوة بين النمو السكّاني لشباب متعلم طموح وقادر على تحقيق الحراك الاجتماعي (social mobility) وبين قدرة الاقتصاد على تحقيق طموح الشباب واسعة جدًا.  فاقتصاد دولتنا لم يكتفِ بإهمال الإنتاج وتعدّدية قطاعاته فحسب، بل حصّن الاحتكارات وفق نفوذ كل من هذه الكانتونات مما ضيّق فرص العمل، فلا ينتج هذا الاقتصاد سوى 8% إلى 15% من حاجات الشباب المرشحين لدخول سوق العمل، ناهيك عن تشجيع الهجرة للطاقات الشابة لتمويل عجز هذه المنظومة السياسية المالية الطائفية.

أما المعضلة الثالثة فتكمن في دور لبنان في منطقة صراعات دولية. فمنذ تأسيس لبنان الكبير عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية وانتصار بريطانيا وفرنسا، إستمر الصراع الدولي بعد الاستقلال، في ما بين “الشركاء”، (بريطانيا وفرنسا، ومن ثم أميركا) وتأسيس دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.  فأصبحت المنطقة بؤرة تأجيج للصراعات مانعة شعوبها من تطوير ذاتها وتنمية استقلالها أسوة بمثيلاتها في معظم بقاع العالم، بل خضعت لأنظمة استبدادية استغلت هذا الصراع لقمع شعوبها باسم مواجهة اسرائيل.

لعبت الزعامات الطائفية اللبنانية دورها في ربط مصائر البلاد في هذه الصراعات، حيث تحينت كل واحدة منها الظروف المؤاتية لتعزيز قوتها على حساب الدولة وباقي المكونات، منتجة حروبًا متكررة. وليس أخيراً استباحة أحلاف المنطقة المتناقضة من بسط نفوذ إقليمي هش على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية. صراعات وشعارات لم تكن أبدًا لمصلحة أي من الشعوب بل لمصالح أنظمة مستبدة مستفيدة من موقع لبنان الجيو سياسي والحيوي ونضالات أبنائه وبناته. أضف إلى ذلك إلى أن البنيات الايديولوجية المتعددة والمتناقضة ساهمت في كبح التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي في لبنان وفي دول مجاورة بررت نشوء أنظمة عسكرية في سائر دول المشرق. 

الخلل البنيوي والتشوه في تركيب الدولة اللبنانية وفي ممارساتها في واقع جيوسياسي متأجج سعّر الاستقطابات الطائفية والمذهبية الحادة، وترسيخ الولاءات للزعامات التقليدية وتبرير ظاهرة الانفتاح على قوى الخارج كملاذ أول أو أخير، مما أدى إلى فقدان مقومات سيادة الدولة. 

وللتعامل مع هذه المعضلات الثلاث، كرّست السلطة نظام التحاصص الذي تعزّز إبّان وصاية النظام السوري، وابتدعت له تسمية تجميلية كالديمقراطية التوافقية. كما قامت السلطة كذلك بتبنّي نظام اقتصادي نيو ليبرالي، ليس سوى نظام استغلال جشع ومتوحش.  أما الجمع بين نظام اقتصادي رأسمالي دون ضوابط من جهة، والتحاصص من جهة ثانية، لم يكن سوى الوصفة المثلى لتدمير الدولة.  فالجمع بينهما أنتج ماردًا من الفساد، مساره أن يقوّض مقومات نشأته في نهاية الأمر، وانهيار الدولة.

نتيجة لهذه السياسات داخليا و خارجيا، زادت الأزمة الاقتصادية المتمادية من الفرز الطبقي ودمار الطبقة الوسطى واستعار التمايز بين مختلف هذه المكونات في محيط مأزوم مشابه و صراعات دولية تدور حوله و عليه.

ان المعضلات الانفة الذكر  لا تقتصر نتائجها على سبل العيش اقتصاديا و اجتماعيا  كالافقار و على الحياة السياسية كدمار المؤسسات و حسب  ، بل تطرح على البلاد   فعليا مخاطر وجودية في مهب الصراعات الدولية و تبديد القوى المتسلطة لما كان من عيش واحد عبر ممارسات فئوية تهدف الى اعادة انتاج تسلط نفس القوى المتناحرة ، و المتوافقة ضمنا على الحفاظ على بعضها و تبادل الخدمات لدوام سلطتها.

إضعاف دور السلطات التنفيذية والمؤسسات العامة والبلديات الى حدود الانهيار بفعل المعضلات في تكوين السلطة اللبنانية، أنتج  أربعة معوقات أساسية تحد من قدرة السلطات التنفيذية والمؤسسات العامة والبلديات على القيام بدورها:

  •  الضعف البنيوي في المؤسسات.  وذلك نتيجة اختيار العدد الأكبر من الموظفين في الإدارات العامة بناءً على التبعية بدلا من الكفاءة.
  •  انعدام القدرة على المحاسبة.  فالعلاقات والشبكات الطائفية السياسية الفاعلة في المؤسسات العامة والإدارات المحلية أضعفت قدرة السلطة المركزية على محاسبة أي تقصير في أداء المؤسسات العامة أو البلديات، إذ يتم تحوير المحاسبة إلى اضطهاد لفئة أو طائفة معينة دون أخرى من أجل إجهاض أي محاسبة.
  •  غياب الاستراتيجية الشاملة لصالح الزبائنية.  إذ تقوم الشبكات الطائفية السياسية بمساعدة وتأمين الخدمات للمنتمين إليها أولا وفق أجندة مصلحية تحاصصية بدلاً من اعتماد استراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار قدرات كل مؤسسة وبلدة وحاجاتها.
  • تضارب الصلاحيات والمصالح بين المؤسسات المتعددة والموازية للدولة. وهذا يضعف دور الدولة ومفهوم الصالح العام، كما يعيق تنفيذ المشاريع الإنمائية التي تضيع بين صلاحيات الوزارات المعنية والمجالس والصناديق الموزعة طائفيا (مجلس الإنماء والإعمار، صندوق الجنوب، صندوق المهجرين…)

ب- المأسسة الاقتصادية للنظام الطائفي السياسي

لم تنته الحرب الأهلية عام 1990 بطرح حلول لهذه المعضلات الثلاث، وإن وضعت وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) ميثاقا وطنيا بهدف الخروج من الطائفية السياسية. بل بالعكس عملت الزعامات الطائفية بالشراكة مع النظام السوري المنتدب، على تعزيز الانقسامات الطائفية حتى أصبحت مذهبية، وكرست الاحتكارات ونهبت الثروة الوطنية لجني الأموال، وعمدت إلى الاستدانة لتمويل الزبائنية مع اغفال تام لمصالح اللبنانيين. أدخلت المنظومة أتباعها على مؤسسات الدولة فكرستها لمصالحها الشخصية. فبعد انتهاء الحرب الأهلية المدمرة استغل النظام السوري الوصاية التي دخل إلى لبنان بموجبها، ليتحكم بمختلف مفاصل الدولة مكرسًا هيمنته كسلطة أمر واقع. وبمباركة الدول الكبرى، لعب دور “الراعي الإقليمي” للخلافات البنيوية في حلقة من المحاصصة النفعية لأقلية قليلة من الأفراد استطاعوا تنظيم الاختلافات بين بعضهم تحت وصايته وتعزيزها بين المواطنين.

أن  هذه المنظومة لما كانت لتستطيع أن تقوم بما فعلته لو لم يكن النظام الطائفي في لبنان حقيقة واقعة منذ تأسيسه، له اسسه ومفاعيله في الاقتصاد والخدمات التي تفرض على المواطنين أن يكونوا رعايا لمذاهب. فهي مقوننة من خلال المراسيم والضرائب والسياسات الخدماتية عبر تعزيز المؤسسات المذهبية الصحية والتعليمية والاجتماعية لتصل إلى القطاعين العام والخاص عبر المحاصصة والاحتكارات.  فمعظم اللبنانيين يولدون في مؤسسات صحية مذهبية، ويدرسون في مدارس مذهبية، وفي النهاية يحصلون على وظيفة في القطاع العام أو الخاص عبر الزبائنية المذهبية، بينما تتعمد الدولة إضعاف التعليم الرسمي والقطاع الصحي العام، فيما خدماتها الاجتماعية تقدمها عبر المؤسسات الطائفية نفسها و بذلك تكون الطائفية أداة “قيمة” لاعادة انتاج نفس السلطة .

  

إذا اللبنانيات واللبنانيون يعيشون في نظام طائفي تؤمن تمويله الدولة عبر سياساتها “المدنية” بمعنى سياسات تؤخذ في المؤسسات الدستورية الوطنية.  غير أن شرايين الإنتاج منذ النشأة وحتى الزوال هي شرايين مذهبية. هذا النظام العميق يقسم اللبنانيين فيعزز الفساد ويحميه ويمنع من المساءلة إذ سرعان ما يتحول أي نزاع إلى صراع بين مكونات مذهبية بدلا من محاسبة بين المخل بالقوانين وبين الحق العام. فلا حق عام في لبنان بل مقدرات يتم تجييرها للطوائف. 

 

من هنا لا ننظر إلى الانقسامات بين المواطنين اللبنانيين من منطلق تخويني للفئات الباحثة عن لقمة عيشها داخل بيئاتها الطائفية، ونميز بين الأغلبية العظمى من المواطنين وبين قيادات النظام ممن يغذون الانتماء الطائفي لمصلحة نظام المحاصصة. المشكلة الاساسية هي في عدم اكتمال بناء الدولة منذ الاستقلال الاول حتى اليوم. إن الطائفية السياسية وبنيتها الاقتصادية والتبعية للخارج هي شكل من أشكال تجلي الفشل في بناء دولة المواطن الا ان هذا الفشل في جوهره هو الفشل البنيوي في ارساء اسس المواطنة.

الثورة والتحديات المستجدة

أ- ثورة 17 تشرين

عند وصول هذا النظام إلى مرحلة عدم القدرة على الاستمرار من بعد السطو على ودائع الناس ومدخراتهم وبعد أن استهلك قدرته على الإستدانة والتسول، ثار الشعب.  وأثبتت ثورة 17 تشرين أن اللبنانيين توّاقون للخروج من مأزق التكوين الفئوي الذي يقبض على حياتهم والتطلع إلى دولة المؤسسات والقانون والعدالة الاجتماعية. لأول مرة في تاريخ لبنان استطاعت القوى الجماهيرية من تغيير موازين القوى السياسية وكسر تركيبتها،  ففرضت الثورة واقع سياسي جديد عبر بناء أطر شعبية تمثل إرادة الناس الحقيقية مطالبة بتغيير سياسي شامل ونظام حكم ديمقراطي يرتكز على مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة.
في هذه المرحلة التاريخية ساهمت   «مدينتي»   مع المكونات المختلفة للثورة في طرح مسار تغييري دستوري قائم على تقديم نموذج سياسي تغييري قادر على حمل مشروع الثورة يمكن اختصاره بثلاث أسس:
1. المواطنة وكسر حواجز الكانتونات: التقاء اللبنانيين تحت شعارات واحدة في مختلف المناطق كسرت الحواجز المناطقية المذهبية مما افقد هذه المنظومة أحد عناصر قوتها.
2. كلن يعني كلن: أي المنظومة ومكوناتها الطائفية من أقطاب وأحزاب ومرجعيات ومؤسسات مالية وإنتاجية وروحية أمنت لها ديمومتها.
3. مبدأ المحاسبة: لأول مرة في لبنان يتم تبني هذا المبدأ من معظم الشعب. هذا المطلب شكل أساس العمل على استرجاع حقوق اللبنانيين في كافة الميادين، وتعزز عبر النضال لتمكين القضاء من محاسبة من تسبب بانفجار المرفأ. ومن هنا يحتل إقرارا قانون استقلالية القضاء أساسًا في فرض التغيير.
رغم تعدد الأسباب والأهداف التي دفعت الناس للنزول إلى الشارع، إلا أن هذه المبادئ الثلاث كانت جامعة وتؤسس لاستدامتها. من هنا التزمت مدينتي بهذه المبادئ الثلاث في برنامجها تعزيزًا لوحدة صفوف.

ب- أزمة كورونا

تجسد ازمة وباء كورونا المعضلة البنيوية للنظام السياسي: نقص في الاحصاءات وافتقاد لمقومات سياسة صحية وقائية وعلاجية في الاطر القانونية والادارية و البشرية والمالية وخلل بنيوي في العلاقة بين القطاعين العام والخاص وعدم تكامل بين السياسة الصحية والسياسة الاجتماعية والاقتصادية و منع اقامة نظام حماية اجتماعية للصحة و الغذاء و التعليم و السكن للابقاء على مقاليد الخدمات بيد الطوائف او ممثليها من السياسيين . أن تداعيات كل هذه السياسات على الدولة والنَّاس كانت أثمانها باهظة تخطت المال والأسواق والسلع ونمط وعلاقات الإنتاج ، الى الوطن و الكيان و الدولة .

ج- تفجير الـ 4 آب

انهيار الدولة تجلى في تفجير الـ 4 من آب 2020 وما رافقه منذ وقوع الانفجار وغياب التام لأجهزة الدولة والحماية والرعاية وصولا إلى غياب أو تغييب فاضح للمساءلة. ما رافق التفجير الأكبر عالميًا بعد التفجيرين النوويين لم يكن كافيًا لكبح جماح الفكر التقسيمي. فمنذ اليوم الأول خرجت أصوات تمذهب الضحية وتمذهب المجرم من خلال حملة ممنهجة تمنع الوحدة الوطنية التي تجلت في الهبة الشعبية في الانقاذ والترميم وتامين الرعاية. مارست السلطة بكافة مكوناتها السياسية والروحية أوقح أساليب التفرقة، عبر تعطيل مسار القضاء والتهديد العلني والمباشر للقضاء ومن ثم للشعب والذي تجلى في أحداث الطيونة.

رؤيتنا في التغيير والمجابهة وآليات ووسائل التطبيق

ان معطيات الانهيار الحالية على المستويات كافة و الواقع تستدعي اعطاء اهمية قصوى لطرح مقاومة زوال الوطن و اعادة بناء الدولة مع الاهمية الكبيرة لعدم اغفال شكل الدولة  المرجوة و انظمتها.

ان الظروف الراهنة بتعقيداتها و مخاطرها لجهة المطامع الدولية و الاقليمية تطرح على  «مدينتي» اهمية ايجاد  اطار تغييري يجمع في حده الادنى  كل القوى الحريصة على وحدة البلاد بحدودها الطبيعية و مكوناتها  كما جاء في  ميثاق الطائف و في مقدمة الدستور ، ذلك باعتبار هذا الميثاق مكملا تأسيسيا لميثاق  1943،  جاء ليكرس البلاد وطنا نهائيا لجميع ابنائه برعاية عربية و دولية  بعد حرب داخلية مدمرة .

حين  تعطي   «مدينتي»  اولوية لحماية وحدة البلاد ارضا و شعبا و تسعى لتضافر الجهود في هذا السبيل ،   يعني مقدمة ضرورية لاعادة بناء الدولة العادلة السيدة الحرة المستقلة و مؤسساتها الحديثة .

ان تغييب لبنان عن اعادة رسم خرائط المنطقة ليس فقط بفعل مؤامرة  خارجية انما بتعاون واع من قوى السلطة  ، و ليست  خافية الاضرار التي تلحق بالبلاد نتيجة مجموع الممارسات و الاحداث  المحيطة بالبلاد وليس اقلها عزلة لبنان عن محيطه و تدمير منفذه و منفذ المنطقة البحري و عاصمته  و افقار الطبقة الوسطى و سلب ودائع الناس ، يترافق ذلك مع تعطيل الحكومة و القضاء . مما يطرح الغاء الدور التاريخي للبنان و معه الكيان لصالح تنامي ادوار دول الجوار .

أن ترفع   «مدينتي»   سقف المواجهة الى افاق حماية البلاد من مخاطر الذوبان في لجة صراعات المصالح على المنطقة ، و التنبيه الى المخاطر الوجودية الداهمة ، تنطلق من نظرتها المبدئية كونها حركة سياسية محورها الناس و حاجاتهم، تهدف الى تحقيق الصالح العام ضمن وطن ناجز  و دولة حديثة.

ان ضمان  الحفاظ على البلاد ارضا و شعبا يتيح لمدينتي كحركة سياسية طرح رؤيتها على الشكل التالي

1- في رؤيتنا إلى لبنان:

تصبو   «مدينتي»  ان يكون لبنان وطناً تبنى فيه المصلحة العامة على أسس العدالة المرتكزة إلى  الموازنة الحقوقية بين الحريات الفردية والواجبات الاجتماعية والأخلاقيات.

وطنًا يتم الفصل فيه بين المعتقد الديني والانتماء الوطني للفرد وفقا لقانون الأحوال الشخصية يحتكم لحقوق الإنسان. 

 

وطنًا يتمتع فيه أبناؤه وبناته بالعيش الكريم في ظل نظام يحترم حقوقهم المدنية والإنسانية، ويلتزم بالعدالة والحماية الاجتماعية والمساواة بين الجميع، فيضمن تأمين فرص متساوية في كافة المجالات كالصحة والغذاء والتعليم والعمل.

 وطناً ديمقراطياً مستقلاً يتمتع بكامل السيادة ويفتخر بتعدديته، يسود فيه حكم القانون، ويتفاعل مع محيطه العربي، كيان أساسي منه كما جاء في دستور الطائف، يربطه به امتداد تاريخي وثقافي.

تطمح  «مدينتي»  ان تكون المدن والبلدات حيوّية مترابطة مع بعضها البعض، تولي اهتماماً خاصاً للتنوع والتفاعل الاجتماعي، وتلبي كافة حاجات السكان وحقوقهم، عبر توفير الخدمات العامة مثل النقل والسكن الملائم وبيئة سليمة وبنى تحتية جيدة، وغيرها من الخدمات الاساسية. تفعيل الحوافز العامة القانونية و الادارية في إيجاد الحيز العام لتشبيك القطاعات المهنية والاوساط الاجتماعية في عملية التطوير والإنماء.

كما تسعى إلى مجالس تمثيلية برلمانية وبلدية تمثل أبناءها وبناتها وسكانها جميعا، وتستجيب لكافة حاجاتهم ويصون مصالحهم، تطور التشريعات بما يخدم مستقبل اللبنانيين بعيداً عن الاصطفافات والتجاذبات المذهبية.

  «مدينتي» تسعى إلى ممارسة الديمقراطية التشاركية في بلورة السياسة العامة مع التزام فصل السلطات و احترام مبدأ تداول السلطة.  نطمح الى ان يكون مجتمعه فاعل ومشارك في التخطيط وصنع القرارات والسياسات العامة وتكرسهم لاعبين أساسيين في العملية السياسية.  

2- آليات التغيير:

تعتبر «مدينتي» أن الفضاء المشترك هو أساس ولوج الحياة السياسية.  كحركة سياسية مبنية حول حاجات الناس وتطلعاتهم، تعمل  «مدينتي»  على إعادة تكريس المساحات العامة والفضاء العام، والعمل على تحويله إلى فضاء سياسي.  كما تعمل على استعادة المواطن (ة) لدوره كلاعب سياسي، له خياراته، بعد عقود من طمس دوره ضمن الرعية. 

نرى أن تفعيل دور السكان وحثهم على الانخراط في إدارة شؤون أحيائهم يُمأسس لخلق تغيير من القاعدة صعوداً، لقلب أنماط الهيمنة التي غيبت أصوات الناس.

 

تعمل «مدينتي» من خلال الانتخابات على ترسيخ هذه السياسة التي محورها الناس في عملية صنع القرار عن طريق تحسين التمثيل السياسي من خلال الضغط لإصلاح العملية الانتخابية والمشاركة فيها.

وتنظر «مدينتي» إلى دور السلطة المحلية كركيزة أساسية في هذه المرحلة الانتقالية، إذ عليها أن تستبدل النهج “الرأسمالي المتفلت” والمحمي من النظام الطائفي بنهج تعاوني اجتماعي أكثر إنسانية.  فالحاجة للعمل مع ما تبقّى من السلطات المحلية بشقها الإداري ملّحة اليوم أكثر من أي وقت مضى. وهناك ضرورة لتمكينها وتطوير قدراتها، وكذلك تمكين السكان على العمل مع بعضهم البعض، وتخطّي العوائق الواهية التي شرذمتهم من أجل بناء مجتمعات متعاونة منتجة.

 

نقطة البداية هي مجتمع ما، يقوم بتحديد حدوده الجغرافية وفق الحاجات الاقتصادية التعاونية؛ قد تكون بلدية أو اتحاد بلديات أو أي تقسيم آخر.

 

من هنا يعاد تكوين مفهوم تنمية الاقتصادات المحلية المتعدد الأدوار؛ أي تنشيط ومواكبة السكان ضمن قطاعات إنتاجية متنوعة، تشبيك وشراكة، تعامل بنّاء مع القطاع الخاص على أسس عادلة، وتعاون مع المؤسسات الداعمة في ظل التغيير الاقتصادي والسياسي الحاصل.  وبالتالي، من خلال تنشيط الموارد البشرية والمؤسسات والموارد الطبيعية من ناحية، وتنظيم وتطوير عملها من خلال حوار تشاركي بين هذه المكونات من ناحية أخرى، يتم بناء أطر عمل جديدة للمرحلة المقبلة.

وأخيراً، ترى  «مدينتي»  نفسها جزءاً من تيار تغييري، ونعمل على خلق أطر مشتركة مع مبادرات أخرى تحمل نفس القيم والتوجهات، على صعيد المدن وخارجها.

إلتزاماتنا

مقاربتنا للسياسة تضع في صلب التزاماتنا قضايا الناس، قضايا الأمن الاجتماعي والأمان وفرص العمل والصحة والتعليم والسكن والتنقل وحفظ الهوية الثقافية الجامعة. نعرضها هنا من خلال محاور أربعة: الناس، الدولة، المدينة، ومحيطنا.

5.1 الناس

الالتزام بالمساواة والحريات العامة واحترام تعدديتنا:

نؤمن بأولوية حقوق الإنسان وضمان الحريات المتساوية للجميع، دون أي تمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدِّين أو الرأي السياسي أو الجنسية أو الوضع الاجتماعي الاقتصادي أو الحالة الصحية.

ومن بين أهم هذه الضمانات، تكريس المساواة بين المرأة والرجل في القانون وفي الواقع، بما في ذلك قانون الجنسية وقوانين الأحوال الشخصية.

الالتزام بالعدالة الاجتماعية:

نؤمن بمبادئ العدالة الاجتماعية لتحقيق المساواة في الفرص وتقليص الهوّة بين طبقات وفئات المجتمع لضمان الحياة الكريمة للجميع.

ومن أكثر الخطوات إلحاحاً هي تفعيل الاقتصاد المنتج عبر منع الإحتكارات وتصحيح النظام الضرائبي الحالي الذي يخدم القطاعات الريعية على حساب القطاعات المنتجة والفئات المهمشة.

كما نؤمن بضرورة تغليب القيمة الاجتماعية والبيئية للموارد الطبيعية (كالمياه، والنفط، والهواء وغيرها) على القيمة التجارية، ما يقتضي تقليص الاستغلال التجاري للأراضي لحماية قيمتها الاجتماعية كمورد أساسي لتشييد المساكن وأماكن العمل وتأمين المساحات الترفيهية كالحدائق العامة والحفاظ على الشواطئ.

وتستتبع هذه المهمة إعادة بناء المؤسسات الرسمية المعنية بالخدمات الاجتماعية وتفعيل دورها الوطني الجامع لتكريس نظام متكامل للحماية الاجتماعية كما الحق في التعليم والصحة والسكن وضمان الشيخوخة والعمل للجميع بشكل متساو يضع حداً للتفاوت المتفاقم بين الفئات المجتمعية ويسعى لتحقيق تنمية اجتماعية عادلة.

و كذلك التأكيد على ضرورة الحفاظ على حقوق العمال من خلال تعزيز العمل النقابي بما يسمح  لهم التعبير الحر عن مطالبهم  والمشاركة الفاعلة في صوغ السياسات العامة،  مع حتمية الغاء حظر النقابات في القطاع العام.

الالتزام باقتصاد منتج وتنمية مستدامة:

نطمح الى تغيير النموذج الاقتصادي الحالي ليصبح نموذجاً إنتاجياً يستفيد من مواهب وكفاءات شبابنا وشابّاتنا والحد من هجرتهم ويعتمد على مواردنا الطبيعية بشكل مستدام، انطلاقاً من قدراتنا ومزايانا التفاضلية وسعياً الى تطويرها.        

ويتطلب ذلك تحديد القطاعات ذات المزايا التفاضلية، إضافةً إلى تحفيز وتحديث القطاعات التقليدية كالزراعة والصناعة والسياحة والنشر والحرف الفنية، وكذلك المجالات التي تستقطب الشباب ولها أثر اقتصادي-اجتماعي كمجالات التكنولوجيا والتصميم والإنتاج الفني والرياضة والثقافة وغيرها.

في خضم الازمة الخانقة الحالية نعول على العمل التشاركي التعاوني ضمن الأطر المحلية عبر تشجيع المؤسسات الصغرى والصغيرة والعمل على تشبيكها مع الأطر المجاورة وخلق تعاونيات إنتاجية وتسويقية بالتعاون مع مؤسسات داعمة.

 

ومع دخول لبنان مرحلة تطوير قطاع النفط والغاز نشدد على توجيهه نحو المصلحة العامة الوطنية واستثمار عوائد هذا القطاع بما يخدم الأجيال القادمة ويحقق الإنماء المتوازن، مع الحفاظ على دور الدولة اللبنانية كشريك أساسي في مرحلة الاستكشاف والتنقيب والاستخراج وإدارة القطاع. ولكي يتحقق ذلك، من الضروري الالتزام بأعلى معايير الشفافية و الاختصاص والتشاركية في اتخاذ القرارات، والرقابة والمساءلة والمحاسبة.

 

ان بناء هذا النموذج الاقتصادي يحتم إعادة تصويب السياسات المالية والنقدية والقطاعية بدءًا من مراجعة طارئة للنهج الحالي الذي راكم الديون وفاقم العجز المالي في الميزانية العامة. كما يتطلب ذلك دعم الاستثمار العام والخاص وتهيئة البيئة المناسبة لتأسيس المؤسسات وخصوصاً تطوير الصغيرة والمتوسطة منها لضمان استدامتها.  ويجب تأمين بنية تحتية متكاملة ومترابطة (كهرباء، مياه، إنترنت، نقل عام) توفر الخدمة العامة لجميع المناطق وتسمح بتطوير الاقتصادات المحلية.

اعتماد مقاربة رقمية في بناء الإستراتيجيات والخطط والسياسة العامة ما يوجب اتاحت المعلومات بشفافية يسهل تحليلها.

الالتزام بالتربية والثقافة و الصحة للجميع:

تسعى   «مدينتي»  الى اعتماد الاستثمار في الادمغة عبر انشاء نظام  تربوي عصري يحرر الانسان من التبعية والفئوية ومن ترسبات الحرب الاهلية ويحوّل الصرح التعليمي إلى مساحة فكرية علمية تحفز على الابداع والفكر النقدي، لتهيئة اجيال جديدة تكون منتجة وفاعلة في تطور المجتمع و مواكبة للتقدم العلمي.

ان التعليم حق للجميع وعلى الدولة أن تلتزم بتوفيره في كافة مراحله واحقاق المساواة في فرص ونوعية التعليم و ربطه بسوق العمل مع اعارة اهمية خاصة للأبداع المعرفي في مجالات الادب و الفن و الشعر و الفلسفة والمشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية لجميع فئات السكان على الأخص ذوي الحاجات الخاصة.

 

يحتم ذلك تعزيز قدرات المؤسسات التربوية الرسمية، وعلى رأسها الجامعة اللبنانية، وإبعادها عن المحاصصة السياسية والطائفية التي ألغت معايير الكفاءة في تعيينات الكوادر التعليمة وحولتها الى أمكنة للتوظيف بيد السياسيين. على الدولة احترام انظمة هذه المؤسسات التربوية ودعمها كصرح عام جامع للبنانيين وكأداة لتطوير الطاقات البشرية بما يتناسب مع التطورات العالمية ومتطلبات أسواق العمل. وفي السياق ذاته، يجب تمكين المدارس الرسمية التي تفتقر الى أبسط التجهيزات، وإعادة النظر في هيكليتها، وتطوير مناهج وأسلوب التعليم لتلعب دور ريادي في تأسيس افراد المجتمع ولتحقيق الاندماج الاجتماعي.

 

كما بذل الجهود للمحافظة على هوية البلاد الثقافية المشتركة وتطويرها من خلال حماية الإرث الثقافي، ودعم وتعزيز الإبداع والإنتاج الفني والأدبي وجعل النشاطات الفنية والثقافية متاحة للجميع مع توسيع مساحات اللقاء و تيسيرها.

الالتزام بترسيخ ثقافة السلم:

تسعى  «مدينتي»   إلى ترسيخ ثقافة السلم الأهلي كي تنسحب مفاعيلها الإيجابية على جميع الأطر الحياتية للمواطنين سواء في العلاقات العائلية والمجتمعية أو الحيز العام، وخاصة حيال المرأة والفئات المهمّشة. فقد تغلّب خلال العقود المنصرمة منطق العنف في حل النزاعات بين المواطنين، الذي تكرّس نتيجة المعالجات الخاطئة لفترة ما بعد الحرب الأهلية و عدم التمكن من ازالة اثارها.

ويظهر ذلك جلياً من خلال:

أولاً، سلاح المواطنين المتفلت: في ظل غياب الإرادة السياسية لضبط الوضع الأمني وتطبيق القانون دون انتقائية، يستمر هذا السلاح في حصد ضحايا مدنيين.

ثانياً، سلاح بعض الأحزاب أو الجهات: حيازة بعض الأحزاب السياسية للسلاح وانعكاس ذلك على قرارات السلم والحرب، ملغيا دورا تكوينيا من ادوار الدولة.

ثالثاً، عنف بعض الأجهزة الأمنية ضد المدنيين: رغم صحة أن الاستخدام الشرعي للقوة حكر على الدولة، إلا أنه ينبغي أن يمارس ضمن أطر قانونية شفافة، على النقيض ما نشهد من استخدام مفرط للعنف ضد متظاهرين سلميين ومن تعذيب موقوفين.

5.2 الدولة

الالتزام بالدولة المدنية:

تؤمن   «مدينتي»   بالدولة المدنية، دولة الحق والقانون المستقلة تماماً عن سيطرة أيّ سلطة دينية أو عسكرية، والتي تحافظ على مسافة واحدة من جميع المواطنين والمواطنات، بغض النظر عن الانتماء الطائفي والهوية الجنسية والخلفية الاجتماعية.

إضافة إلى ذلك، الدولة التي نطمح لها تتعاطى مع كل اللبنانيين واللبنانيات كأفراد كاملي المواطنة بما في ذلك مكتومي القيد، وتتحمل المسؤولية تجاه جميع المقيمين والمقيمات على أراضيها، سواء كانوا عاملين وافدين أم لاجئين، كي يتمتعوا جميعهم بحقوق وكرامات تصون إنسانيتهم وترتب عليهم واجبات تجاه بعضهم.

الالتزام بالديمقراطية قاعدة أساسية للحكم:

الدولة التي تطمح لها   «مدينتي»   تكرس وتفعل مبادئ الديمقراطية من خلال تأمين التمثيل الحقيقي للناس واحترام إرادة الشعب، بصرف النظر عن الانتماء الطائفي والهوية الجنسية والخلفية الاجتماعية.

كما احترام تفعيل الديمقراطية في الحياة السياسية و تطبيق مبدأ تداول السلطة في المُهل المحددة دستورياً وإجراء الإصلاحات القانونية لتحسين الآليات والضوابط التي تؤمن عملية انتخابية في كافة مستوياتها  أكثر حرية وشفافية وعدالة، وذلك باعتماد مبدأ النسبية في التمثيل السياسي وضمان حق كل مواطن ومواطنة في اختيار مكان اقتراعه/ها وحق نقل النفوس وفقاً للقوانين والأنظمة اللبنانية المرعية.

 

كما تتطلب الديمقراطية تطبيق نظام الضوابط والتوازنات، ما يقتضي الفصل بين السلطات، مع المحافظة على التعاون والتنسيق فيما بينها. ويجب ايضا الفصل الكلي بين المصالح العامة والمصالح الخاصة، وتفعيل الدور الرقابي لكافة السلطات العامة وعليها. وبطبيعة الحال من الضروري محاربة ظاهرة التداخل والتواطؤ بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

بالإضافة إلى ذلك، من الضروري تطبيق اللامركزية الإدارية وتفعيل دور سلطات محلية قادرة على التجاوب مع حاجات الناس وتصحيح الخلل في العلاقة بين السلطات المعيّنة كالمحافظ، والمنتخبة كمجالس البلديات، وخصوصاً في بيروت. ولتحقيق هذه الغايات، يجب اعتماد الآليات التشاركية في عملية اتخاذ القرار مع السكان، بما في ذلك مشاركة السكان اثناء تحديد موازنات البلديات من خلال اجتماعات مفتوحة تستشيرهم في الخيارات الإنمائية والخطط المطروحة لمناطقهم ومدنهم.

الالتزام باستقلال القضاء:

تسعى «مدينتي»  الى نموذج إدارة الحكم الذي له هو نظام قضائي قوي ومستقل وشفاف لتحرير قراراته من التدخلات السياسية. وذلك يتطلب تحديث الأنظمة المتعلقة بالتنظيم القضائي وعمله كما يتطلب مكافحة الممارسات الضارة داخل السلطة القضائية.

ومن أكثر الخطوات إلحاحاً لتحقيق العدالة تكمن في محاسبة كافة المسؤولين والمشاركين في تفجير مرفأ بيروت عبر التوسع في التحقيق في الخارج والداخل ورفع أي نوع من الحصانات الزائفة. 

كما لابد من إعادة هيكلة الدين العام والاعتراف بخسائر المصرف المركزي والمصارف التجارية وتحديد حجمها وتحميل عبئها أولاً لأركان المنظومة الفاسدة من سياسيين توالوا على موقع القرار، ومن مصرفيين استفادوا من مراكمة الفوائد وأساؤوا استثمار أموال المودعين، والمتعهدين الذين تثبت عليهم تهم هدر الأموال العامة في صفقاتهم. والعمل على استرجاع الأموال المنهوبة والتحقيق عن كل الحوالات الخارجية منذ إعادة الهيكلة ، والطلب من المحاكم الخارجية تجميد أصول الأشخاص المعرضين سياسيًا وأفرعهم حتى الانتهاء من التحقيقات والتدقيقات كافة.

الالتزام بدور فعال للمؤسسات العامة:

تبقى الدولة بمؤسساتها المركزية والمحلية الضامن الوحيد لحقوق ومصالح الناس. لذا، للمؤسسات العامة المسؤولية الكبرى في إدارة شؤون البلاد، من المالية العامة، إلى تأمين الخدمات الأساسية، مروراً بتحديث البنى التحتية. وبناءً على ذلك، نبدأ بالإصرار على تفعيل دور هذه المؤسسات عبر إرساء الاسس الادارية والناظمة وفقا لمتطلبات الحوكمة الرشيدة و الشفافية.

كما يتطلب تفعيل المؤسسات العامة تحديد المسؤوليات ومحاسبة المسؤولين وصانعي القرار على أدائهم والتصدي لتفشي الفساد والهدر في الإدارات العامة وللحفاظ على المال العام والأملاك العامة وحماية حقوق المواطنين.

ويجب أيضاً وضع سياسة عامة تفرض الشفافية على الأصول الخاصة لدى جميع العاملين قي القطاع العام، لضمان نزاهة المؤسسات والإدارات.

الالتزام برؤية تنموية ومستدامة متكاملة:

لابد من تبني رؤية تنموية متكاملة للوطن تربط بين جميع مناطقه وتسعى الى تكاملها، رؤية تتصدى لنهج المحاصصة الحالي الذي جزّأ الأراضي والمناطق حسب الانقسامات الفئوية.

كما من الضروري اعتماد نهج تخطيطي متكامل للمدن الكبرى. إن اعتماد نهج التخطيط الاستراتيجي المسؤول اجتماعياً كمدخل لاستعادة وحدة أراضينا المشتركة ولتطبيق استراتيجيات شاملة تحتوي العمران العشوائي وتنظمه، وتحمي الغابات والأحراج والثروة المائية والمواقع التراثية، وترسّخ مبدأ التنمية المستدامة الطويلة الأمد، بدلاً من الحسابات الضيقة التي تمنع التنسيق والتخطيط على مستوى مدني ووطني شامل (كما في الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية، التي صادق عليها مجلس الوزراء عام 2009عام). 

لا بد من استحداث وتطبيق القوانين السارية والتعهدات الدولية لاسترداد السواحل والجبال المنهوبة وحماية الموارد المائية القيّمة والأراضي الزراعية والحرجية.

كما من الاهمية بمكان اجراء الإصلاحات البيئية الضرورية، بدءاً من العمل على إدارة سليمة ومتكاملة للنفايات بكافة أنواعها تحافظ على الصحة العامة، والحدّ من تلوث المياه والتربة، من خلال الإدارة السليمة لاستخراج المياه وترشيد استهلاكها وتكرير المياه المبتذلة، وصولاً إلى ترشيد عمل الكسارات والمرامل والتزام المعايير البيئية في إدارتها و الاعتماد التدريجي على مصادر طاقة بديلة متجددة، وغيرها من الممارسات البيئية السليمة التي تحد من التلوث وتحسن سبل العيش كما تؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة.

5.3 المدينة وجوارها

تطبيقاً لمفاهيم المساواة والعدالة الاجتماعية على المدن ان تصبح مساحات حاضنة تحمي حقوق الجميع، والتي تترجم من خلال إعادة القيمة الاجتماعية للأرض، وذلك بالحدّ من المضاربات العقارية وإدخال أدوات التخطيط المدني الحديثة والضرائب العادلة واعتماد السياسات السكنية والاقتصادية الدامجة.

 

ترتكز استراتيجية  «مدينتي»  على أسس التخطيط المتكامل الذي يسعى إلى خلق ترابط أكبر بين المدن وجوارها، عبر تفعيل التواصل بين البلديات والإدارات الرسمية التابعة للسلطة التنفيذية، كالمحافظ والوزارات المختصة. ويتم ذلك من خلال تبني استراتيجيات التخطيط المدني العصري، واستحداث قوانين صارمة للحد من التوسع العمراني العشوائي، ما من شأنه توجيه حركة البناء توجيهاً مدروساً يحول دون تدمير مواردنا الطبيعية. كما تتضمن خطط للنقل العام والنقل السلس لتسهيل حركة المواطنين اليومية وتضع خطط لزيادة الرقع الخضراء وتساهم في تنقية الهواء.

 

كما من الضروري تطوير الأطر التنظيمية التي تسمح بإدارة المدن وضواحيها كوحدة متكاملة (مثلاً بيروت الكبرى) وإعادة النظر في صلاحيات المؤسسات العامة المتضاربة أحيانا وإقامة إدارات معنية بالقطاعات الأساسية كالفسحات العامة أو التلوث البيئي المدني أو النقل وغيرها.. كما أصبح من الضروري تبني آليات تشاركية في إدارة الشؤون البلدية ليكون لرؤى وتطلعات أهل المدينة تأثير على مستقبل مدينتهم.

5.4 علاقة لبنان بالمحيط

الالتزام بدور مستقل وسيّد للبنان في منطقته:

لا بد من التأكيد أولاً على الالتزام بدور مستقل وسيد للبنان والإصرار على أن السيادة تبدأ بشرعية التمثيل عبر العودة الدورية والمنتظمة إلى خيارات المواطنين، وأنها تكتمل ببسط سلطة الدولة وحكم القانون على كامل الأراضي اللبنانية، من خلال استرداد دور مؤسساتها في استلام زمام الحكم في السياسات الخارجية والدفاعية والاقتصادية والاجتماعية والمالية والقضائية و الامنية.

أما فيما يتعلق بإشكالية السلاح الخارج عن إمرة الدولة، والذي أخذ منحى مذهبياً يستخدمه السياسيون أداة للاستقطاب والتفرقة، نرى أن الحل العملي الشامل يكون عبر حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني والقوى الأمنية وتفعيل استراتيجية دفاعية متكاملة ليصبح الأمر شأناً وطنياً جامعاً ولتوفير الأمن على كامل الأراضي اللبنانية.

وبما أن سيادة البلاد مهددة باستمرار نظراً لموقع لبنان الجغرافي في منطقة عرضة للمشروع الصهيوني التوسعي، بالإضافة إلى أطماع امبراطورية لدول أخرى تغذّي النعرات الطائفية خدمة لمصالحها، ترى «مدينتي» أن وضع استراتيجية دفاعية سيادية يتطلب مقاربة اجتماعية واقتصادية وسياسية شاملة، تبدأ بإعادة بناء مؤسسات الدولة وتحريرها من الزبائنية السياسية، وخاصة المؤسسات الأمنية والعسكرية، لتكون مرتبطة فقط بقرار الدولة الديمقراطي. مع الحاجة الملحة الى ضرورة تعزيز قدرة المجتمع وتحصينه للصمود في وجه أي عدوان أو تدخل خارجي، بما يحفظ له كرامته وانتماءه للدولة. وذلك يقتضي تعميم ثقافة الانتماء المواطنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي فقدها جيل واسع من اللبنانيين واللبنانيات منذ سنوات نتيجة مذهبة العمل السياسي والوطني.

هكذا تسترجع الدولة اللبنانية سيادتها على أراضيها المحتلة وتتكفل بحماية حدودها ومواطنيها وردع أي اعتداء على الأراضي اللبنانية من أي طرف أتى.

الالتزام بالقيم المبدئية:

يجب أن تتحدد علاقات لبنان الإقليمية والدولية انطلاقاً من مبادئ وقيّم سامية محورها الإنسان، وأن تسعى سياساتنا الخارجية إلى ترسيخ قيّم ومبادئ العدالة وعدم التمييز والارتقاء بالإنسان.

وعلى لبنان ان يدعم القضايا العادلة للشعوب، خاصة تلك التي تعاني الظلم من قمع وتمييز عنصري، لمناصرة حق العيش الكريم دون خوف، وتشكل المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان وعدم التمييز وغيرها من الاتفاقيات والمواثيق الدولية مرجعاً لتحديد معالم وآليات تحقيق هذه الغاية.

تشكل المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية ومحيط لبنان الجغرافي والثقافي والاجتماعي المباشر المنطلق الثاني لسياسة لبنان الخارجية. ما يرتب عليه مسؤولية دعم النضال التاريخي للشعوب المضطهدة سواء ضد الاحتلال أو ضد الاستبداد.